بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ الخلائق ومظهر العجائب الذي اصطفى من الملائكة والناس رسلاً، وأعطى الكرامات لمن آمن منهم وعمل صالحاً واتقى...
والصلاة والسلام على سيد الملائكة والبشر محمد وآله المنتجبين المطهرين..
أحبتي الاعزاء ..
صيامكم مقبول ان شاءالله ...
والله يتقبل عباداتكم ..
في هذا الموضوع المتواضع سوف نستعرض حياة السيدة الفاضله فاطمة الملقبة المعصومة ...
((عليها السلام ))
الولادة والنّشأة :
كانت المدينة المنوّرة تنتظر ولادة طفلة من أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)وعائلة الإمام الكاظم (عليه السلام)تستغرق فرحاً، مترقبة لقرة عينها بالمولود الجديد.
وزوجة الإمام (عليه السلام)(نجمة)([2]) كانت تصبح وتمسي على أمل ولادة الطفل، والبيت يعيش وينادي بالفرح والسرور.
وأخيراً وفي الأول من ذي القعدة سنة 183 هـ . ق . انتهت أيّام الانتظار، ورزق الله تبارك وتعالى الإمام الكاظم (عليه السلام)مولودةً مباركةً طيّبة.
الفرح يغمر الجميع، ومن بعد الإمام الكاظم (عليه السلام)لا يبلغ أحد حدّ فرحة نجمة الّتي تلطفت عليها يد المنّان بالمولود الثاني بعد خمس وعشرين سنة من ولادة (علي) الذي عُرِف فيما بعد بـ (الرّضا) (عليه السلام)، حيث كانت ولادته في نفس الشهر ذي القعدة من سنة 148 هـ . ق . وقد سرّت (نجمة) به سروراً لا مثيل له، والآن وبعد مضيّ تلك السنين المديدة مَنّ الله تعالى عليها وعلى الإمام الكاظم (عليه السلام)بمولودة تكون أختاً للرضا (عليه السلام).
ولأجل علاقة الإمام الكاظم (عليه السلام)الخاصة بجدّته فاطمة الزهراء (عليها السلام)سمّى قرّة عينه وكريمته بـ (فاطمة)، ولفرط تقواها وصلاحها عرفت فيما بعد بـ (المعصومة) ، واقتدت بأبيها في العصمة عن الرجس من كل إثم ولمم.
لاسم (فاطمة) عند أهل البيت(عليهم السلام)شجاه الخاص بما يعمل ويحكي من ذكريات حلوة ومرّة عن الصدّيقة الطاهرة (فاطمة الزهراء) (عليها السلام). وإذا سمّوا إحدى بناتهم فاطمة فإنّها تحتلّ مكانة خاصّة من الاحترام والرعاية لمشابهة اسمها لبضعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والسيدة فاطمة المعصومة لم تكن مستثناة من تلك السيرة الحسنة .
والإمام الكاظم (عليه السلام)يجتهد كثيراً في حفظ وتربية ابنته هذه، ولم يأل جهداً في إظهار عنايته ومحبّته لها.
عاشت السيدة المعصومة في كنف والديها الكريمين، تكتسب منهما الفضائل والمكارم، إذ كان أبوها إماماً معصوماً، وليس له في الفضائل والتُقى
كفو أحد، وأمّها (نجمة) أيضاً من النساء الصالحات المؤمنات الّتي تتلمذت على يد زوجة الإمام الصادق (عليه السلام). وكانت معروفة بالتقوى في ذلك الزمان. ومن هنا فقد أشارت (حميدة) أم الإمام الكاظم (عليه السلام)على ابن الإمام بالزواج من (نجمة) .
كانت السيّدة المعصومة تستفيد كلّ يوم من والدها وأخيها المعصومين(عليهما السلام) وأمها التقيّة العالمة، بحيث حظت بمقام رفيع من العلم والفضيلة وصارت عارفةً بالكثير من العلوم والمسائل الإسلامية في أيام صباها.
في أحد تلك الأيام أتى جمع من الشيعة إلى المدينة لكي يعرضوا بعض أسئلتهم الدينية على الإمام الكاظم (عليه السلام)ويأخذوا العلم من معدنه، ولكن كان الإمام الكاظم وكذلك الإمام الرضا (عليه السلام)مسافرين، ولم يكونا حاضرين في المدينة. فاغتم الجمع; لأنّهم لم يجدوا حجّة الله ومن يقدر على جواب مسائلهم، فهمّوا بالرجوع إلى بلدهم. وعندما رأت السيدة المعصومة (عليها السلام) حزن هؤلاء النفر تناولت أسئلتهم الّتي كانت مكتوبة، وأجابت عليها، وعندئذ تبدل حزن الجماعة بفرح شديد ورجعوا ـ مع ظفرهم بجواب مسائلهم ـ إلى ديارهم راجحين مفلحين. ولكنهم في الطريق وفي خارج المدينة التقوا بالإمام الكاظم (عليه السلام)وحدّثوه بما جرى عليهم. وبعدما رأى الإمام جواب ابنته على تلك المسائل أثنى عليها بعبارة مختصرة قائلاً: (فداها أبوها).
هجرة السيدة المعصومة إلى إيران :
مضت سنة على سفر الإمام الرضا (عليه السلام)إلى مرو، وأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في المدينة حرموا من عزيزهم الذي كانوا يستشعرون الرحمة واليمن بجواره، ولم يكن يُهدأ روعهم شيء سوى رؤيتهم للإمام المعصوم (عليه السلام).
السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)كبقية إخوتها وأخواتها قل صبرها وكانت تئنّ كل يوم للوعة فراق أخيها الرضا (عليه السلام).
في هذه الأيام كتب الإمام (عليه السلام)رسالةً مخاطباً أخته السيّدة المعصومة (عليها السلام)، وأرسل الرسالة بيد أحد خدامه إلى المدينة المنوّرة بأقصر زمان ممكن، ثم (عليه السلام)دلّ الرسول على منزل أبيه حيث تسكن أخته المعصومة لكي لا يسأل شخصاً آخر عن منزل الإمام الكاظم (عليه السلام).
وصل مبعوث الإمام إلى المدينة المنورة وامتثالاً لأمر الإمام (عليه السلام)سلم الكتاب إلى السيدة المعصومة. وعلى الرغم من أننا لا نعرف شيئاً عن مضمون ذلك الكتاب، لكنه مهما كان فقد أجج نار الشوق في أهله وأقربائه. ومن هنا قررت السيد المعصومة وبعض إخوة الإمام وأبناء إخوته أن يتحركوا نحو (مرو) ليلتحقوا بالإمام (عليه السلام).
وبسرعة جهّزت عدّة واستعدت القافلة للسير، وبعد التزويد بالماء وأسباب السفر تحركت القافلة من المدينة إلى مرو.
كان في هذه القافلة السيّدة فاطمة المعصومة ويرافقها خمسة من إخوتها، هم: فضل، جعفر، هادي، قاسم، وزيد. ومعهم بعض أبناء إخوة السيّدة المعصومة إضافة لبعض العبيد والجواري .
تحرّكت قافلة عشاق الإمام الرضا (عليه السلام)، ولم تتوقف عن المسيرة برهة سوى في المنازل الضروية للصلاة والغذاء والاستراحة، مخلفة هضاب الحجاز وصحاريه وراءها مبتعدةً يوماً فيوماً عن مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
السفر في صحاري الحجاز كان صعباً للغاية حتى إن الإبل أحياناً كانت تستسلم للعجز وتتقاعس عن المسير، فكيف بالمسافرين الذين لا بد لهم أن يذهبوا إلى مرو. لكن نور الأمل ولقاء الإمام كان يشرق في قلوب أهل القافلة ويحثهم على متابعة السير وسط رمال وأعاصير الصحراء.
في تلك الأيام، كان خطر اللصوص وقطّاع الطريق يهدّد كل مسافر، ويخلق له مشاكل كثيرة. وإذا هجموا على قافلة لا يبقى لأحد أمل في مواصلة السفر، وأقل ما يفعلونه نهب الأموال والمجوهرات والدواب. وإلا ففي كثير من الحالات يقتلون أعضاء القافلة لسرقة أموالهم. وهذا الخطر كان يهدد فاطمة المعصومة (عليها السلام)ومرافقيها، لكنهم توكّلوا على الله تعالى واستمروا بالسير، ويوماً فيوماً كانوا يقتربون من المقصد.
مرّت الأيام والليالي وقافلة قاصدي الإمام الرضا (عليه السلام)خلفت صحراء الحجاز وراءها ولم يبق لها شيء دون الوصول إلى أرض إيران.
وعناء السفر كان يرهق السيدة المعصومة، إلى جانب عناء الطريق ومشاقه على شابة كالمعصومة، ولكنها لشدة ولهها وشوقها إلى زيارة أخيها كانت مستعدة لتحمل أضعاف هذا العناء.
كانت السيّدة في طريقها دائماً تتصور الوجه المشرق للإمام الرضا (عليه السلام)وتتذكر الأيام الّتي قضتها في المدينة، وكانت عليها مسخة سرور تنذر بقرّة عينها في رؤية الإمام، ولأنها ترى أن عينها ستقرّ برؤيته، فإنها كانت مسرورة جداً.
انتهت المرحلة الصعبة من هذا السفر، وأخيراً وصلت القافلة إلى أراضي إيران، وهنا عليها أيضاً أن تواصل السفر واجتياز المدن والقرى واحدة
بعد أُخرى .
القافلة في ساوة :
وأخيراً وصلت القافلة إلى مدينة ساوة. وهناك مرضت السيّدة المعصومة مرضاً شديداً بحيث لم تقدر على مواصلة المسير. هذا السفر الطويل المتعب من المدينة المنورة إلى ساوة كان قد أضعف بدنها، إلا أن شدة المرض هي الأُخرى أنحلت جسمها وأشحبت لونها.
هل إن أخت الإمام الرضا (عليه السلام)تستطيع في هذه الحال أن تكمل سفرها لتزور أخاها العزيز في مرو؟ وهل تستعيد عافيتها وتواصل السفر لتلتقي أخاها العزيز في مرو؟ هذه أسئلة كانت تشغل فكر السيّدة المعصومة وتزيد من قلقها.
وعلى أية حال، قررت السيّدة بعد ذلك الذهاب إلى (قم) ، فسألت من معها: (كم بيني وبين قم؟) أجابوها: عشرة فراسخ. ـ أي خمسة وخمسون كم تقريباً ـ وعند ذلك أمرتهم بالتوجه إلى قم .
كانت قم آنذاك ملجأ الشيعة، مع أن مذهب التشيع لم يكن شائعاً في إيران، لكن سبب هجرة الأشعريين العرب من الكوفة إلى قم جعلتها مدينة شيعية وجميع ساكنيها من محبي أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
الأشعريون ـ وبسبب ظلم عمال بني أمية الذين تجاوزوا الحد في عداوتهم لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ولشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)ـ قد هاجروا من الكوفة وسكنوا هنا وبنوا مدينة قم وأسسوها.
ولما بلغ خبر وصول السيّدة المعصومة إلى ساوة ومرضها هناك. إلى أهل قم، أجمع كل أهل المدينة أن يذهبوا إلى السيّدة ويطلبوا منها الإقامة في قم. ولكن ذهب (موسى بن خزرج) ممثلاً من أهالي قم إلى بنت الإمام الكاظم (عليه السلام)وأخبرها برغبة القميين وفرط اشتياقهم لزيارتها، وأجابت السيدة المعصومة طلبهم وأمرت بالحركة نحو قم.
أخذ موسى بن خزرج زمام ناقة السيدة المعصومة (عليها السلام)مفتخراً، وقادها إلى المدينة الّتي كانت تنتظر قدوم أخت الإمام الرضا (عليه السلام)حتى وصلت القافلة إلى بداية مدينة قم .
وفاة ودفن السيّدة المعصومة (عليها السلام) :
في 23، ربيع الأوّل سنة 201 هـ . ق. وصلت قافلة السيّدة المعصومة إلى مدينة قم، واستقبلها الناس بحفاوة بالغة، وكانوا مسرورين لدخول السيّدة ديارهم.
وكان موسى بن خزرج ذا يسر وبيت واسع، فأنزل السيّدة في داره وتكفل بضيافتها ومن برفقتها. واستشعر موسى بن خزرج فرط السعادة بخدمته لضيوف الرضا (عليه السلام)القادمين من مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وهيأ لهم كل ما يحتاجونه بسرعة.
ثم اتخذت السيّدة فاطمة المعصومة معبداً لها في منزل موسى بن خزرج لكي تبتهل إلى الله وتعبده وتناجيه وتشكو إليه آلامها وتستعينه على ما ألم بها. وما زال هذا المعبد باقياً إلى الآن يسمى بـ (بيت النور) .
أقلق مرض السيدة المعصومة مرافقيها وأهالي قم كثيراً، مع أنهم
لم يبخلوا عليها بشيء من العلاج، إلا أن حالها أخذ يزداد سوءاً يوماً بعد
يوم; لأن المرض قد تجذر في بدنها الشريف .
وفي الثاني عشر من ربيع الثاني 201 هـ . ق. توفيت السيّدة المعصومة(عليه السلام) دون أن ترى أخاها. ودمعة عينها وغم فؤادها لم تسكن ولم تنقض لفراقه.
فجع أهل قم بتلك المصيبة فأقاموا مراسم العزاء عليها وقلوبهم مفجوعة مملوءة بالأسى والحزن.
مراسم الدفن :
تكفلت نساء الشيعة ومحبات أهل البيت(عليهم السلام)باحترام كبير غسل الجسد المطهر للسيدة المعصومة وكفّنّها. وعندما حان وقت الدفن رأى زعماء الأشعريين ووجهاؤهم أن يدفن الجسد الطاهر في مكان مناسب غير المقبرة العامة. وإنما عزموا على هذا الأمر لما يهمهم من شدة الاحترام لبنت الإمام الكاظم (عليه السلام)ولم يرغبوا أن تدفن بجنب الآخرين.
موسى بن خزرج الذي كان صاحب قصب السبق في هذا الأمر خصص بستاناً كبيراً له في منطقة يقال لها: (بابلان) عند نهر قم (مساحة الحرم الحالية) لدفن الجسد الطاهر. والآن كل شيء جاهز، ولكن من الشخص الذي يباشر ويتولى دفن السيّدة المعصومة (عليه السلام)؟ تبادل الحاضرون الرأي، وأخيراً اتفقوا أن يوكّلوا هذا العمل إلى شيخ كبير صالح اسمه (قادر).
وأرسلوا شخصاً لإحضار (قادر)، ولكنه لم يجده، وإذا بفارسين قادمين من جهة النهر وقد اقتربا إلى محل الدفن. وعندما وصلا إلى الجسد الشريف للسيدة نزلا من المركب وصلّيا على الجنازة، ثم توليا دفن الجسد الطاهر. ومع تعجب الحاضرين ركبا وابتعدا بسرعة.
انتهت مراسم الدفن بكل احترام بين حزن الشيعة وبكائهم، وأصبحت مدينة قم الّتي سميت بحق (عش آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)) مزار بضعة الإمام الكاظم (عليه السلام) .
اللهم بحق محمد وآل محمد
أكتبنا وكل من يطالع حياة سيدتي ومولاتي فاطمة المعصومه (عليها السلام) في سجل زوارها ..
ياأكرم الأكرمين ...